مكانة النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
مكانة النبي صلى الله عليه وسلم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيب﴾ [النساء:1]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيم﴾ [الأحزاب:70-71]
أما بعد: فحديثنا في هذه الليلة المباركة حديث عن أعظم رجل، وأعلم رسول عند الله وعند الملائكة وعند الرسل وفي التاريخ الإسلامي وفي الكتب السماوية وفي القرآن والسنَّة -صلى الله عليه وسلم-. فهو أعظم رجل وأعظم رسول وتظهر مكانته في الآخرة إذ هو سيد ولد آدم يوم القيامة وصاحب الشفاعة العظمى وصاحب المقام المحمود صلوات الله وسلامه عليه.
ولا أستطيع أن أُوَفِّيَه حقَّه -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام، وقد كتبتُ ليستفيد السامعون لأنَّ الإرتجال قد يكون فيه خلل، ولتتم الفائدة كتبتُ هذا الموضوع وأطلت فيه قليلاً فأرجو الصبر وطول النَّفَس لنحصل جميعاً على الفائدة من هذا الموضوع الشيِّق العظيم. أسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم مَحَبة هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- والإخلاص في كل ما نقول ونفعل.
وأبدأُ الآن فأقول: فهذه كلمة في بيان مكانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيان حقوقه على هذه الأمة أي أمة الإجابة وأمة الدعوة من الجن والإنس.
- إنَّ لرسول الله الكريم -صلى الله عليه وسلم- مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لم يبلغها أحد من الخلق فهو سيد ولد آدم يوم القيامة، آدم ومن دونه تحت لوائه -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد أُوتِيَ الشفاعة العظمى التي اعتذر عنها أُولوا العَزْمِ من الرسل والتي اختصه الله بها وآثره بها على العالمين.
- ولقد كَرَّمَهُ ربُّه عزّ وجلّ واختصه بمكرمات جزيلة لم يعطها لأحد من قبله من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكلُّهم لهم منزلة رفيعة عند الله.
فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فضلت على الأنبياء بِسِت: أُعْطِيتُ جوامع الكَلِم ونُصِرتُ بالرُّعْب وأُحِلَّت لي الغنائم وجُعِلَت لي الأرض طَهُورًا ومسجدًا وأُرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون) [صحيح مسلم (523)] .
وروى البخاري قريبٌ من هذا. وفي حديث جابر: (وأُعطيت الشفاعة) [البخاري (328) ومسلم ( 521)] .
- وقال تعالى في بيان منـزلته -صلى الله عليه وسلم- وبيان صفاته الكريمة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128]
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران:164]
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2]
- وقال تعالى في بيان مَنـزِلَته العظيمة وصفاته الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيل﴾ [الأحزاب45-48]
- وقال تعالى مُنَوِّهاً بِذِكره ومكانته عنده ونعمته عليه:﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح:1-4]
- قال ابن عباس: شرحه بنور الإسلام. وقال سهل: بنور الرسالة. وقال الحسن: ملأه حكمةً وعلماً.
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: قال الإمام السعدي-رحمه الله-: «أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله والإتصاف بمكارم الأخلاق والإقبال على الآخرة وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقاً حرجاً ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ ووضعنا عنك وِزرك الذي أثقل ظهرك، كقوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيم﴾، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ أي: أعلينا قدرك وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من الخلق فلا يُذكر الله إلا ذُكِر معه رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في الدخول في الإسلام وفي الأذان والإقامة والخُطَب وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها الله ذِكر رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيرِه بعد الله تعالى فجزاه عن أمَّته أفضل ما جزى نبياً عن أمته» [اهـ انظر تفسير السعدي لهذه السورة,] .
وأقسم الله بعظيم قَدره فقال: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر:72]
- قال ابن كثير رحمه الله: «أقسم تعالى بحياة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض. قال عمر بن مالك النُّكْرِي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: ما خلق الله وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد -صلى الله عليه وسلم- وما سمعت اللهَ أقسم بحياة أحد غيره. قال الله ) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون يقول وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا إنهم لفي سكرتهم يعمهون أي يلعبون. وفي رواية عن ابن عباس يترددون».
أقول: لله سبحانه وتعالى أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته كما أقسم بالضحى والليل والشمس وضحاها والسماء. .. إلخ.
وأما العِبَاد فليس لهم أن يحلفوا إلا بالله و (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
- وقال تعالى مبيناً عنايته برسوله ورعايته له وحفاوته به: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى]
قال ابن كثير: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال: سمعت جُندباً يقول: اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يَقُم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قال ابن كثير: ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الأسود ابن قيس عن جندب بن عبد الله البجلي ثم العلقي به. وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس سمع جندباً قال: أبطأ جبريل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال المشركون وَدَّع محمداً ربُّه فأنزل الله تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قلتُ: يُدافع عن نبيِّه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال-رحمه الله-: «وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من ضِياء والليل إذا سَجَى أي سَكَن فأظلم وادلهم: قاله مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم وذلك دليل على قدرة خالقِ هذا وهذا.
وقوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ ( أي ما تركك، ) ﴿وَمَا قَلَى﴾ ( أي: ما أبغضك ) ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾ أي ولَلدَّارُ الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً، كما هو معلوم بالضرورة من سيرته، ولما خُيِّر في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة وبين الصيرورة إلى الله عزّ وجلّ اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية. قال -صلى الله عليه وسلم-: (مالي وللدنيا، إنما مَثَلي ومَثَل الدنيا كَرَاكِبٍ قَال تحت شجرة ثم تركها وذهب). ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ يعني بذلك ما أعده الله له في الآخرة من الجِنان والنعيم ومن رؤية ربِّه والحوض والشفاعة وسائر ما أكرمه الله به في الآخرة.
ثم عدَّد الله ما أفاض عليه مِن النِّعَم، ورعاه وهو يتيم وآواه إلى أن اصطفاه لرسالته فأنزل عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيمًا» اهـ.
قال القاضي عياض-رحمه الله- في كتاب (الشفاء بتعريف حقوق المصطفى):
«تضمنت هذه السورة من كرامة الله له وتنويهه به وتعظيمه إياه سِتة وجوه:
الأول: القَسَم له عَمَّا أخبره به مِن حاله بقوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ أي: وربِّ الضحى وهذا من أعظم درجات المبرَّة.
الثاني: بيان مكانته عنده وحظوته لديه بقوله: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ أي: ما تركك وما أبغضك وقيل: ما أهملك بعد أن اصطفاك.
الثالث: قوله تعالى ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾ قال ابن إسحاق: أي: مَآلُكَ في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا، وقال سهل: أي ما ادَّخرتُ لك مِن الشفاعة والمقام المحمود خَيرٌ لك مما أعطيتك في الدنيا.
الرابع: قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ وهذه آية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السَّعادة وشتات الإنعام في الدارين والزيادة، قال ابن إسحاق: يرضيه بالفَلَح([1]) في الدنيا والثواب في الآخرة وقيل الحوض والشفاعة.
الخامس: ما عدَّه تعالى عليه مِن نِعَمه وقَرَّرَهُ مِن آلائه قِبَلَهُ في بقية السورة من هدايته إلى ما هداه له أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير، ولا مال له فأغناه بما آتاه أو بما جعل في قلبه من القناعة والغنى ويتيما فحدب عليه عمه وآواه إليه وقيل آواه إلى الله. .. ذكَّره بهذه الـمِنَن وأنَّه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره وعَيْلته ويُتْمِه وقبل معرفته به ولا ودَّعه ولا قلاه فكيف بعد اختصاصه واصطفائه.
السادس: أمره بإظهار نعمته عليه وشُكر ما شرفه به بنشره وإشادة ذكره بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فإن مِن شُكْر النِّعمة التحدث بها، وهذا خاص له عام لأمته» اهـ.
* فضل نسبه -صلى الله عليه وسلم-
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( إنَّ الله اصطفى كِنَانة من ولد إسماعيل واصطفى قُريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) [مسلم (2276)] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( بُعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت فيه ) [خ مناقب (3557)] .
فهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هذا متفق على صحته -أي بين النُّسَّاب- وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم، وإسماعيل هو الذبيح على القول الصحيح وجاء بهذا القول القرآن والسُنَّة. والقول بأنه إسحاق باطل.
* حُسن خَلْقِه -صلى الله عليه وسلم- ([2])
عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس وجهاً وأحسنَه خَلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) [size=9][خ مناقب -.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيب﴾ [النساء:1]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيم﴾ [الأحزاب:70-71]
أما بعد: فحديثنا في هذه الليلة المباركة حديث عن أعظم رجل، وأعلم رسول عند الله وعند الملائكة وعند الرسل وفي التاريخ الإسلامي وفي الكتب السماوية وفي القرآن والسنَّة -صلى الله عليه وسلم-. فهو أعظم رجل وأعظم رسول وتظهر مكانته في الآخرة إذ هو سيد ولد آدم يوم القيامة وصاحب الشفاعة العظمى وصاحب المقام المحمود صلوات الله وسلامه عليه.
ولا أستطيع أن أُوَفِّيَه حقَّه -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام، وقد كتبتُ ليستفيد السامعون لأنَّ الإرتجال قد يكون فيه خلل، ولتتم الفائدة كتبتُ هذا الموضوع وأطلت فيه قليلاً فأرجو الصبر وطول النَّفَس لنحصل جميعاً على الفائدة من هذا الموضوع الشيِّق العظيم. أسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم مَحَبة هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- والإخلاص في كل ما نقول ونفعل.
وأبدأُ الآن فأقول: فهذه كلمة في بيان مكانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيان حقوقه على هذه الأمة أي أمة الإجابة وأمة الدعوة من الجن والإنس.
- إنَّ لرسول الله الكريم -صلى الله عليه وسلم- مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لم يبلغها أحد من الخلق فهو سيد ولد آدم يوم القيامة، آدم ومن دونه تحت لوائه -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد أُوتِيَ الشفاعة العظمى التي اعتذر عنها أُولوا العَزْمِ من الرسل والتي اختصه الله بها وآثره بها على العالمين.
- ولقد كَرَّمَهُ ربُّه عزّ وجلّ واختصه بمكرمات جزيلة لم يعطها لأحد من قبله من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكلُّهم لهم منزلة رفيعة عند الله.
فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فضلت على الأنبياء بِسِت: أُعْطِيتُ جوامع الكَلِم ونُصِرتُ بالرُّعْب وأُحِلَّت لي الغنائم وجُعِلَت لي الأرض طَهُورًا ومسجدًا وأُرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون) [صحيح مسلم (523)] .
وروى البخاري قريبٌ من هذا. وفي حديث جابر: (وأُعطيت الشفاعة) [البخاري (328) ومسلم ( 521)] .
- وقال تعالى في بيان منـزلته -صلى الله عليه وسلم- وبيان صفاته الكريمة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128]
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران:164]
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2]
- وقال تعالى في بيان مَنـزِلَته العظيمة وصفاته الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيل﴾ [الأحزاب45-48]
- وقال تعالى مُنَوِّهاً بِذِكره ومكانته عنده ونعمته عليه:﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح:1-4]
- قال ابن عباس: شرحه بنور الإسلام. وقال سهل: بنور الرسالة. وقال الحسن: ملأه حكمةً وعلماً.
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: قال الإمام السعدي-رحمه الله-: «أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله والإتصاف بمكارم الأخلاق والإقبال على الآخرة وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقاً حرجاً ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ ووضعنا عنك وِزرك الذي أثقل ظهرك، كقوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيم﴾، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ أي: أعلينا قدرك وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من الخلق فلا يُذكر الله إلا ذُكِر معه رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في الدخول في الإسلام وفي الأذان والإقامة والخُطَب وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها الله ذِكر رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيرِه بعد الله تعالى فجزاه عن أمَّته أفضل ما جزى نبياً عن أمته» [اهـ انظر تفسير السعدي لهذه السورة,] .
وأقسم الله بعظيم قَدره فقال: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر:72]
- قال ابن كثير رحمه الله: «أقسم تعالى بحياة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض. قال عمر بن مالك النُّكْرِي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: ما خلق الله وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد -صلى الله عليه وسلم- وما سمعت اللهَ أقسم بحياة أحد غيره. قال الله ) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون يقول وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا إنهم لفي سكرتهم يعمهون أي يلعبون. وفي رواية عن ابن عباس يترددون».
أقول: لله سبحانه وتعالى أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته كما أقسم بالضحى والليل والشمس وضحاها والسماء. .. إلخ.
وأما العِبَاد فليس لهم أن يحلفوا إلا بالله و (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
- وقال تعالى مبيناً عنايته برسوله ورعايته له وحفاوته به: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى]
قال ابن كثير: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال: سمعت جُندباً يقول: اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يَقُم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قال ابن كثير: ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الأسود ابن قيس عن جندب بن عبد الله البجلي ثم العلقي به. وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس سمع جندباً قال: أبطأ جبريل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال المشركون وَدَّع محمداً ربُّه فأنزل الله تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قلتُ: يُدافع عن نبيِّه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال-رحمه الله-: «وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من ضِياء والليل إذا سَجَى أي سَكَن فأظلم وادلهم: قاله مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم وذلك دليل على قدرة خالقِ هذا وهذا.
وقوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ ( أي ما تركك، ) ﴿وَمَا قَلَى﴾ ( أي: ما أبغضك ) ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾ أي ولَلدَّارُ الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً، كما هو معلوم بالضرورة من سيرته، ولما خُيِّر في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة وبين الصيرورة إلى الله عزّ وجلّ اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية. قال -صلى الله عليه وسلم-: (مالي وللدنيا، إنما مَثَلي ومَثَل الدنيا كَرَاكِبٍ قَال تحت شجرة ثم تركها وذهب). ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ يعني بذلك ما أعده الله له في الآخرة من الجِنان والنعيم ومن رؤية ربِّه والحوض والشفاعة وسائر ما أكرمه الله به في الآخرة.
ثم عدَّد الله ما أفاض عليه مِن النِّعَم، ورعاه وهو يتيم وآواه إلى أن اصطفاه لرسالته فأنزل عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيمًا» اهـ.
قال القاضي عياض-رحمه الله- في كتاب (الشفاء بتعريف حقوق المصطفى):
«تضمنت هذه السورة من كرامة الله له وتنويهه به وتعظيمه إياه سِتة وجوه:
الأول: القَسَم له عَمَّا أخبره به مِن حاله بقوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ أي: وربِّ الضحى وهذا من أعظم درجات المبرَّة.
الثاني: بيان مكانته عنده وحظوته لديه بقوله: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ أي: ما تركك وما أبغضك وقيل: ما أهملك بعد أن اصطفاك.
الثالث: قوله تعالى ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾ قال ابن إسحاق: أي: مَآلُكَ في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا، وقال سهل: أي ما ادَّخرتُ لك مِن الشفاعة والمقام المحمود خَيرٌ لك مما أعطيتك في الدنيا.
الرابع: قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ وهذه آية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السَّعادة وشتات الإنعام في الدارين والزيادة، قال ابن إسحاق: يرضيه بالفَلَح([1]) في الدنيا والثواب في الآخرة وقيل الحوض والشفاعة.
الخامس: ما عدَّه تعالى عليه مِن نِعَمه وقَرَّرَهُ مِن آلائه قِبَلَهُ في بقية السورة من هدايته إلى ما هداه له أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير، ولا مال له فأغناه بما آتاه أو بما جعل في قلبه من القناعة والغنى ويتيما فحدب عليه عمه وآواه إليه وقيل آواه إلى الله. .. ذكَّره بهذه الـمِنَن وأنَّه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره وعَيْلته ويُتْمِه وقبل معرفته به ولا ودَّعه ولا قلاه فكيف بعد اختصاصه واصطفائه.
السادس: أمره بإظهار نعمته عليه وشُكر ما شرفه به بنشره وإشادة ذكره بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فإن مِن شُكْر النِّعمة التحدث بها، وهذا خاص له عام لأمته» اهـ.
* فضل نسبه -صلى الله عليه وسلم-
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( إنَّ الله اصطفى كِنَانة من ولد إسماعيل واصطفى قُريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) [مسلم (2276)] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( بُعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت فيه ) [خ مناقب (3557)] .
فهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هذا متفق على صحته -أي بين النُّسَّاب- وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم، وإسماعيل هو الذبيح على القول الصحيح وجاء بهذا القول القرآن والسُنَّة. والقول بأنه إسحاق باطل.
* حُسن خَلْقِه -صلى الله عليه وسلم- ([2])
عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس وجهاً وأحسنَه خَلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) [size=9][خ مناقب -.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى