اسلاميات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحب الإلهي

اذهب الى الأسفل

الحب الإلهي Empty الحب الإلهي

مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 16, 2009 6:56 am

الحب الإلهي
محبة الله تعالى والإقلاع عن إشراك أحد مع الله بالحب الخالص مرتكز هام في عقيدة التوحيد،
لأن مَن أحب الله مخلصاً يحب غير الله ورسوله من الأهل وسواهم، ولكن يحبهم لله وفي الله.
والانسان الذي يعرف قيمة الحب لله ورسوله يتجاوز أعراض الدنيا إذا ما دعاه هذا الحب للجهاد،
والتفريط بالممتلكات الدنيوية ابتغاء مرضاة الله واطاعة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ،في
موقف فاصل يوم الهجرة حيث اضطراب بعض المسلمين، وأضعف التعلق بأعراض الدنيا والأهل
عزيمتهم على إكمال الجهاد، أتى الخطاب الإلهي حاسماً لكل من تصيبه مثل هذه الحال في
قول الله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها
وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا
حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) التوبة/ 24.

إن حال المحبة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم إذا اقترن بمقام الزهد في الدنيا يدفع
الإنسان لأن يكون مجاهداً في الله حق الجهاد، والجهاد هو الامتحان الذي يؤكد فيه الانسان
قطع علائقه بالهوى المتبع والشهوة، ويؤكد فيه إيثاره للجهاد على راحة النفس وتعلقها
بالأهل والمال وغير ذلك.
فالحب الإلهي ليس بحال من الأحوال حالة وجدانية ذاتية يدّعيها الفرد، وإنما هي حال وجدانية
يصدقها العمل ورأسه الجهاد. والناس في الحب صنفان: مؤمنون متعلقون بالله تعالى، وصنف
أخذوا من الدنيا ما يحبونه كحب الله تعالى. وهذا السلوك يفسد عليهم دنياهم فيكونون عبيداً
لما يحبونه من الأنداد والآخرة، لأن الله تعالى غاضب عليهم بسبب فعلهم هذا. وقد وصفت
الآية الكريمة الصنفان: (ومن الناس مَن يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين
آمنوا أشد حباً لله) البقرة/ 165.

الحب الإلهي شوق من العبد للقاء ربه ومرضاته، وهذا يستلزم أن يكون للمؤمن أسوة حسنة
برسول الله صلى الله عليه و سلم ، يأخذ ما جاء به، وينتهي عما نهاه عنه، ويستفاد هذا الفهم للحب من قول
الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) آل عمران/ 31
جاء عن أسباب نزول هذه الآية أنها في قوم من أهل الكتاب، من نصارى بني نجران صرحوا عن
حبهم لله، فطلب منهم أن يعطوا الدليل، والدليل هو اتباع رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
وبذلك نقول: الإعلان والتصريح لا يكفيان ويلزمهما تنفيذ ما جاء به الاسلام.

أورد القرطبي في تفسير قول سهل بن عبدالله عن حب الله تعالى يقول فيه: (علامة حب الله حب
القرءان، وعلامة حب القرءان حب النبي صلى الله عليه و سلم، وعلامة حب النبي حب السنة،
وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يحب
نفسه، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة –الضرورة-).

والسؤال الآن كيف يكون الحب الإلهي؟ ومتى يحصل تبادل الحب بين الله والعبد؟ إن بداية المسألة
في أن يتجه العبد بكليته إلى الله تعالى فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضي الله، ولا يسرح بصره
إلا بما أمر به الله تعالى، ولا يسعى بقدميه إلا إلى ما أمره الله أن يسعى إليه. وهذا الأمر
نستفيده من حديث الولاية ،وهو حديث قدسي وجاء فيه: (مَن عادى ولياً فقد آذنته بالحرب،
وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل
حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها،
ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء
أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت، وأكره إساءته).

يستفاد من الحديث أن أولياء الله الصالحين يحبهم الله بعد أن أخلصوا في حبهم وتقربهم له تعالى،
وإذا ما نالوا هذه الدرجة الهامة تصبح أعمالهم كلها بتوفيق الله ورضوانه، لأن حبهم لله تعالى
يحملهم على طاعته، والانتهاء عن كل ما يكره صدوره منهم من الأفعال.
والمؤمن المحب لله تعالى تتحقق له لذة وحلاوة تطغى على وجدانه وقلبه لا تكون لغيره من عباد
الله. وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: (ثلاث مَن
كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا
لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

إذا أحب الله عبده شمله برحمته وعنايته، أما العبد فإذا أحب الله تعالى أطاعه، واشتاق للقائه
فتصبح الدنيا هيّنة عنده، ويتمنى لقاء ربه مما يجعله مجاهداً قوي العزيمة في سبيل الله لا يهاب
الموت، ولا يطول أمله بالدنيا.

لقد وردت فكرة الحب الإلهي في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها:
(فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة آية 54).
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران آية31) .
(وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ ) (البقرة آية 165).

كما وردت نفس الفكرة في أحاديث عديدة وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها
قوله: "من أحب الله فليحبَّني، ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي فليحب القرآن،
ومن أحب القرآن فليحب المساجد". وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ اللَّهُمَّ
اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ) (رواه الترمذي- 3412)،

والمحبة ليست لمطلب أو غاية إلا ابتغاء مرضاة الله ويجب أن تبنى على الإدراك والمعرفة، فمن تفكر
في خلق السموات والأرض، وعرف الله تعالى بأنه على كل شيء شهيد كان هو المحب المتعقل
المتحكم بكل حركة من حركاته، وليس الحب ادعاء لحلولية أو اتحاد وفناء وانجذاب وغير ذلك من
الشطحات والانحراف. فالحب عند المسلمين هو حب قائم على الفكر والذكر والاعتدال في تناول
النصيب من الدنيا.
بعد ذلك لا بأس أن يكون مع الحب حالة روحية ونزعة وجدانية نحو المحبوب الأسمى؛ الله تعالى.
في هذا قال الدكتور أبو العلا عفيفي: بأن حال المحبة عمل من أعمال الإرادة والوجدان، لا العقل،
ظهرت في أكبر وأعلى مظهر من مظاهر الإرادة والوجدان، وهو الحب، لا الحب المادي الذي يهدف
إلى إشباع شهوة أو حاسة، بل الحب بأعمق وأتم معانيه؛ أعني الإفصاح عن أقوى النزعات الروحية
في الانسان، واتجاه هذه النزعات نحو الأصل الذي صدرت عنه خالقها سبحانه.
إن المحب المخلص لله تعالى، والمجاهد فيه حق الجهاد لا المنقطع للرياضيات الروحية كبدعة
الرهبانية، يصطفيه الله تعالى ويؤيده ويبادله الحب. في هذا جاء الحديث: (إن الله إذا أحب عبداً دعا
جبريل فقال له: إنني أحب فلاناً، فأحبه. قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء فيقول: ان
الله يحب فلاناً، فأحبوه، فيحبه أهل السماء. قال: ثم يجعل له القبول في الأرض.
وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل
السماء، إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض).
وفي القرآن الكريم، كذلك، أن مَن آمنوا وعملوا الصالحات يجزيهم الله تعالى حباً وتكريماً منه،
ويجعلهم مكرمين بين عباده. وهذا مستفاد من قول الله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
سيجعل لهم الرحمن وداً) مريم/ 96.

وإذا كان الحب الإلهي في هذا الموقع الهام، فكيف يمكن الوصول إليه، للتنعم بنسمات الرحمة
الإلهية التي ترافق حب الله تعالى للعبد الصالح؟
إن الطريق إلى تحصيل المحبة وتقويتها تطهير القلب عن شواغل
الدنيا وعلائقها والتبتل إلى الله بالذكر والفكر، ثم إخراج حب غير الله منه، فإن القلب مثل الإناء
الذي لا يسع للخلّ مثلاً ما لم يُخرج منه الماء، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
وكما الحب في أن يحب الله بكل قلبه، وما دام يلتفت إلى غيره فزاوية من قلبه مشغولة لغيره،
فبقدر ما يشتغل لغير الله ينقص منه حب الله.

Admin
Admin

عدد الرسائل : 201
العمر : 50
تاريخ التسجيل : 11/03/2008

https://moslemat.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى