من حقوق النبي
صفحة 1 من اصل 1
من حقوق النبي
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم- وجوب تعزيره وتوقيره والتأدب معه -صلى الله عليه وسلم-
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيل﴾ [الفتح (9)] .
فالتسبيح لله تعالى وحده، والتعزير والتوقير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن كثير-رحمه الله-(4/186): « ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِد﴾ أي على الخلق ﴿وَمُبَشِّر﴾ أي: للمؤمنين ﴿ وَنَذِير﴾ أي للكافرين. ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ﴾ قال ابن عباس وغير واحد: تعظموه ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ من التوقير وهو الإحترام والإجلال والإعظام[1]. ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ أي: تُسَبحون الله بُكْرَةً وأصيلاً أي في أول النهار وآخره.
ثم قال عزّ وجلّ لرسوله -صلى الله عليه وسلم- تشريفاً له وتكريماً وتعظيماً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ وهذا كقوله: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويَرَى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى المُبَايَع بواسطة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ » اهـ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنّ هذه الآية التي في القرآن﴿ يا أيها النبي إنا أرسلنك شاهداً ومبشراً ونذيراً﴾ قال في التوراة: ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحِرْزاً للأمِّيين أنت عبدي ورسولي سَمَّيْتُك المتوكِّل ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخَّابٍ بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يُقيمَ به الملَّة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً) [البخاري التفسير (4838)] .
وهذا دليل على مكانة الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- عند الله حيث أشاد بمكانته وصفاته في التوراة والإنجيل والقرآن.
وقال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْض﴾ قال ابن كثير: عن ابن عباس كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك إعظاماً لنبيه -صلى الله عليه وسلم- قال فقالوا: ( يا رسول الله يا نبي الله ) وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير. وقال قتادة: (أمر الله أنْ يُهاب وأن يُبَجَّل وأَنْ يُعظَّم وأن يُسوَّد).
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيل﴾ [الفتح (9)] .
فالتسبيح لله تعالى وحده، والتعزير والتوقير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن كثير-رحمه الله-(4/186): « ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِد﴾ أي على الخلق ﴿وَمُبَشِّر﴾ أي: للمؤمنين ﴿ وَنَذِير﴾ أي للكافرين. ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ﴾ قال ابن عباس وغير واحد: تعظموه ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ من التوقير وهو الإحترام والإجلال والإعظام[1]. ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ أي: تُسَبحون الله بُكْرَةً وأصيلاً أي في أول النهار وآخره.
ثم قال عزّ وجلّ لرسوله -صلى الله عليه وسلم- تشريفاً له وتكريماً وتعظيماً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ وهذا كقوله: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويَرَى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى المُبَايَع بواسطة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ » اهـ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنّ هذه الآية التي في القرآن﴿ يا أيها النبي إنا أرسلنك شاهداً ومبشراً ونذيراً﴾ قال في التوراة: ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحِرْزاً للأمِّيين أنت عبدي ورسولي سَمَّيْتُك المتوكِّل ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخَّابٍ بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يُقيمَ به الملَّة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً) [البخاري التفسير (4838)] .
وهذا دليل على مكانة الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- عند الله حيث أشاد بمكانته وصفاته في التوراة والإنجيل والقرآن.
وقال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْض﴾ قال ابن كثير: عن ابن عباس كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك إعظاماً لنبيه -صلى الله عليه وسلم- قال فقالوا: ( يا رسول الله يا نبي الله ) وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير. وقال قتادة: (أمر الله أنْ يُهاب وأن يُبَجَّل وأَنْ يُعظَّم وأن يُسوَّد).
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
* قال ابن القيم-رحمه الله- في مدارج السالكين ( 2/387-391 )[2]:
وأما الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فالقرآن مملوءٌ به.
فَرَأْسُ الأدب معه: كمال التسليم له والإنقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن يُحمِّلَه معارضة خيال باطل يسميه معقولا أو يُحَمِّلَه شبهة أو شَكا أو يُقدِّمَ عليه آراء الرجال وزُبالات أذهانهم، فيُوَحِّدَه بالتحكيم والتسليم والإنقياد والإذعان كما وحَّدَ المُرْسِلَ سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذُّل والإنابة والتوكل.
فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المُرْسِل-وهو الله ربّ العالمين- وتوحيدُ مُتَابَعَة الرسول فلا يُحاكَم إلى غيره ولا يُرضَى بحكم غيره ولا يَقِفُ تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يُعظِّمُه فإن أَذِنُوا له نفذه وقَبل خَبَره وإلا فإن طلب السلامة أعرض عن أمره وخبره وفوضه إليهم، وإلا حرَّفه عن مواضعه وسَّمى تحريفه: تأويلا وحملاً فقال: نؤوله ونحمله[3].
فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب على الإطلاق ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بهذه الحال (!).
ولقد خاطبت يومًا بعض أكابر هؤلاء فقلت له: سألتك بالله لو قُدِّرَ أن الرسول حيٌّ بين أظهرنا وقد واجهنا بكلامه وبخطابه: أكان فرضًا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم ؟! فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الإمتثال من غير التفات إلى سواه.
فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا وبأي شيء نسخ ؟!
فوضع إصبعه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا وما نطق بكلمة.
هذا أدب الخواص معه، لا مخالفة أمره والشرك به[4] ورفع الأصوات وإزعاج الأعضاء بالصلاة عليه والتسليم[5] وعزل كلامه عن اليقين وأن يستفاد منه معرفة الله أو يُتلقَى منه أحكامه بل المعول في باب معرفة الله: على العقول المُتَهوِّكَة المتحيرة المتناقضة. وفي الأحكام: على تقليد الرجال وآرائها، والقرآن والسنة إنما نقرؤهما تبركًا لا أنَّا نتلقى منهمَا أصول الدين ولا فروعه ومن طلب ذلك ورامه عاديناه وسَعينَا في قطع دابره واستئصال شأفته ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون:63-74] [6].
والناصح لنفسه العامل على نجاتها: يتدبر هذه الآيات حقّ تدبرها ويتأملها حقّ تأملها ويُنـزِّلُها على الواقع: فيرى العجب ولا يظنها اختصت بقوم كانوا فبانوا، فالحديث لك واسمعي يا جارة والله المستعان.
ومن الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات:1] .
وهذا باقٍ إلى يوم القيامة ولم يُنْسَخ فالتقدم بين يدي سُنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم.
قال مجاهد -رحمه الله-: «لا تفتاتوا على رسول الله». وقال أبو عبيدة: «تقول العرب لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب أي لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه». وقال غيره: «لا تأمروا حتى يأمر ولا تنهوا حتى ينهى».
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال فما الظنُّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به ؟! أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال ؟! ورفع الصوت فوق صوته موجبًا لحبوطهَا.
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يُجعل دعاءه كدعاء غيره قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْض﴾ [النور:63] وفيه قولان للمفسرين:
أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضًا بل قولوا: يا رسول الله يا نبي الله فعلى هذا: المصدر مضاف إلى المفعول أي دعاءَكم الرسول[7].
الثاني: أن المعنى لا تجعلوا دعاءه لكم[8] بمنزلة دعاء بعضكم بعضًا إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بُدٌّ من إجابته ولم يسعكم التخلف عنها ألبتَّة فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل أي دعاؤه إياكم .
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع من خطبة أو جهاد أو رِبَاط لم يذهب أحد منهم مذهبًا في حاجته حتى يستأذنه كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور: 62] فإذا كان هذا مذهبًا مقيدًا بحاجة عارضة لم يُوَسَّع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدِّينِ: أصوله وفروعه دقيقه وجليله هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذانه ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] و [الأنبياء:7] .
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يُستشكل قوله بل تستشكل الآراء لقوله ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ولا يُحَرَّفُ كلامُه عن حقيقته لخيال يُسمِّيه أصحابه معقولا (!) نعم هو مجهول وعن الصواب معزول ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحدٍ فكل هذا من قلَّة الأدب معه وهو عين الجرأة -والعياذ بالله تعالى-.
وأما الأدب مع الخلق: فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكل مرتبة أدب والمراتب فيها أدب خاص:
فمع الوالدين: أدب خاص وللأب منهما: أدب هو أخص به.
ومع العالم: أدب آخر.
ومع السلطان أدب يليق به.
وله مع الأقران أدب يليق بهم.
ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أُنْسِه.
ومع الضَّيف أدب غير أدبه مع أهل بيته.
ولكل حال أدب: فللأكل آداب وللشرب آداب وللركوب والدخول والخروج
والسفر والإقامة والنوم آداب وللبول آداب وللكلام آداب وللسكوت والاستماع آداب.
وأدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه[9].
وأما الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فالقرآن مملوءٌ به.
فَرَأْسُ الأدب معه: كمال التسليم له والإنقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن يُحمِّلَه معارضة خيال باطل يسميه معقولا أو يُحَمِّلَه شبهة أو شَكا أو يُقدِّمَ عليه آراء الرجال وزُبالات أذهانهم، فيُوَحِّدَه بالتحكيم والتسليم والإنقياد والإذعان كما وحَّدَ المُرْسِلَ سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذُّل والإنابة والتوكل.
فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المُرْسِل-وهو الله ربّ العالمين- وتوحيدُ مُتَابَعَة الرسول فلا يُحاكَم إلى غيره ولا يُرضَى بحكم غيره ولا يَقِفُ تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يُعظِّمُه فإن أَذِنُوا له نفذه وقَبل خَبَره وإلا فإن طلب السلامة أعرض عن أمره وخبره وفوضه إليهم، وإلا حرَّفه عن مواضعه وسَّمى تحريفه: تأويلا وحملاً فقال: نؤوله ونحمله[3].
فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب على الإطلاق ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بهذه الحال (!).
ولقد خاطبت يومًا بعض أكابر هؤلاء فقلت له: سألتك بالله لو قُدِّرَ أن الرسول حيٌّ بين أظهرنا وقد واجهنا بكلامه وبخطابه: أكان فرضًا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم ؟! فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الإمتثال من غير التفات إلى سواه.
فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا وبأي شيء نسخ ؟!
فوضع إصبعه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا وما نطق بكلمة.
هذا أدب الخواص معه، لا مخالفة أمره والشرك به[4] ورفع الأصوات وإزعاج الأعضاء بالصلاة عليه والتسليم[5] وعزل كلامه عن اليقين وأن يستفاد منه معرفة الله أو يُتلقَى منه أحكامه بل المعول في باب معرفة الله: على العقول المُتَهوِّكَة المتحيرة المتناقضة. وفي الأحكام: على تقليد الرجال وآرائها، والقرآن والسنة إنما نقرؤهما تبركًا لا أنَّا نتلقى منهمَا أصول الدين ولا فروعه ومن طلب ذلك ورامه عاديناه وسَعينَا في قطع دابره واستئصال شأفته ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون:63-74] [6].
والناصح لنفسه العامل على نجاتها: يتدبر هذه الآيات حقّ تدبرها ويتأملها حقّ تأملها ويُنـزِّلُها على الواقع: فيرى العجب ولا يظنها اختصت بقوم كانوا فبانوا، فالحديث لك واسمعي يا جارة والله المستعان.
ومن الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات:1] .
وهذا باقٍ إلى يوم القيامة ولم يُنْسَخ فالتقدم بين يدي سُنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم.
قال مجاهد -رحمه الله-: «لا تفتاتوا على رسول الله». وقال أبو عبيدة: «تقول العرب لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب أي لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه». وقال غيره: «لا تأمروا حتى يأمر ولا تنهوا حتى ينهى».
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال فما الظنُّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به ؟! أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال ؟! ورفع الصوت فوق صوته موجبًا لحبوطهَا.
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يُجعل دعاءه كدعاء غيره قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْض﴾ [النور:63] وفيه قولان للمفسرين:
أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضًا بل قولوا: يا رسول الله يا نبي الله فعلى هذا: المصدر مضاف إلى المفعول أي دعاءَكم الرسول[7].
الثاني: أن المعنى لا تجعلوا دعاءه لكم[8] بمنزلة دعاء بعضكم بعضًا إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بُدٌّ من إجابته ولم يسعكم التخلف عنها ألبتَّة فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل أي دعاؤه إياكم .
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع من خطبة أو جهاد أو رِبَاط لم يذهب أحد منهم مذهبًا في حاجته حتى يستأذنه كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور: 62] فإذا كان هذا مذهبًا مقيدًا بحاجة عارضة لم يُوَسَّع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدِّينِ: أصوله وفروعه دقيقه وجليله هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذانه ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] و [الأنبياء:7] .
ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يُستشكل قوله بل تستشكل الآراء لقوله ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ولا يُحَرَّفُ كلامُه عن حقيقته لخيال يُسمِّيه أصحابه معقولا (!) نعم هو مجهول وعن الصواب معزول ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحدٍ فكل هذا من قلَّة الأدب معه وهو عين الجرأة -والعياذ بالله تعالى-.
وأما الأدب مع الخلق: فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكل مرتبة أدب والمراتب فيها أدب خاص:
فمع الوالدين: أدب خاص وللأب منهما: أدب هو أخص به.
ومع العالم: أدب آخر.
ومع السلطان أدب يليق به.
وله مع الأقران أدب يليق بهم.
ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أُنْسِه.
ومع الضَّيف أدب غير أدبه مع أهل بيته.
ولكل حال أدب: فللأكل آداب وللشرب آداب وللركوب والدخول والخروج
والسفر والإقامة والنوم آداب وللبول آداب وللكلام آداب وللسكوت والاستماع آداب.
وأدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه[9].
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى