السورة : سورة البقرة (2)عنوان الدرس : الحب الإلهي - الآية 165 -
صفحة 1 من اصل 1
السورة : سورة البقرة (2)عنوان الدرس : الحب الإلهي - الآية 165 -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ في سورة البقرة آية رقمها الخامسة والستون بعد المئة ، يقول الله سبحانه وتعالى فيها:
الإنسان قبل أن نشرح الآية جسدٌ يأكل ، وعقلٌ يدرك ، وقلبٌ يحب ، هذه حقيقة الإنسان ، وهذه جوانبه الثلاثة ، جسدٌ يأكل ، وعقلٌ يدرك ، وقلبٌ يحب.
دعونا من الجسد،. فنحن وبقية المخلوقات سواء ، أجهزة وأعضاء وأنسجة ، ويحتاج إلى طعام وإلى شراب وإلى راحة ، له قوانينه وله مبادئه ، والأطباء موكلون بمعرفة أمراضه ودوائه .
دعونا من الجسد ، ولنقف عند القلب الذي يحب ، والعقل الذي يدرك ، هل هناك من علاقة بينهما ؟ نعم ، وهذه العلاقة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، دققوا في هذا الحديث :" أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً " .
فلو عرضت على إنسان قطعة بللور عادية وقطعة كريستال وقطعة ألماس ؛ فالماس ثمنها ثلاثمائة ألف ، والكريستال ثمنها عشرون ليرة ، بينما البللور ثمنها ليرتان ، ثم قلت له : اختر ، فإن اختار البللور فهو لا عقل له ، وإذا اختار الكريستال فلديه بقية عقل ، ولعله ما انتبه لقطعة الماس ، أما الذي يعمل في بيع المجوهرات فإنه يأخذ الماس رأساً .
فكلما نمت معرفتك ونما إدراكك ، ارتقى اختيارك ، وكلما نما عقلك ارتقى اختيارك ، فالذي اختار الدنيا محدود ، أحمق ، غبي ، لأنها قصيرة ، ولأنها تنقطع عند الموت ، ومهما علوت في الدنيا فكل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، ومهما كنت غنياً فإن الكفن لا جيب فيه ، ولا دفتر شيكات ، ليس هناك قبر خمس نجوم ، بل كل القبور نجمه واحدة وكل نجوم الظهر .
فمهما كنت في أعلى مكانة في المجتمع ، أو بأعلى مكانةٍ في المال ، أو كنت حائزًا على أعلى الدرجات العلمية ، بورد مثلا ، فمصيرك إلى القبر .
فالذي يختار الدنيا ، فيه ضعف في عقله ، وهو غبي ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
فالبلور والكريستال والماس ، كلما كانت خبراتك كانت أعمق اخترتَ الماس ، فإنْ دنت فالكريستال جميل ، وكأس الكريستال ثمنها مئتا ليرة جميلة ، أما قطعة البللور، فقد تكون قطرميز بللور ، لونه أزرق وطني ، فغاية ثمنها خمس ليرات أو عشر ليرات ،قد يقال لك : حجمه كبير ، وهو يستحق ثمنًا عشرَ ليرات ، وكأس كريستال ثمنها مئتا ليرة ، وقطعة ألماس ثمنها ثلاثمائة ألف ، فأنت مخيَر لقلة خبرتك ، لكن الجواهري لا يتردد ثانية في التقاط قطعة الماس .
إخوانا الكرام؛ صحابي جليل اسمه عبد الله بن رواحه ، تُروى عنه هذه القصة ، فإن صحت فلها مغزى كبير ، وإن لم تصح فلنا منها عبرة فقط ، عيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم قائداً ثالثاً في معركة مؤتة ، القائد الأول سيدنا زيد ، ثم سيدنا جعفر ، ثم سيدنا ابن رواحه ، والمعركة مخيفة وطاحنة ، وأعداد جيش العدو كبيرة ، فأول قائد رفع الراية وقاتل لم يلبث أنْ قتل ، ثم تسلم القيادة سيدنا جعفر ، فأمسك بالراية فقاتل فلم يلبث أنْ قتل هو الآخر ، ثم تسلم القيادة عبد الله ، وكان شاعرًا فقال بعد ما تردد قليلا:
وأمسك بالراية وقاتل بها حتى قتل .
وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق سيدنا جبريل نبأ هذه المعركة فقال بين أصحابه : أخذ الراية أخوكم زيد ، فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى مقامه بالجنة ثم أخذ الراية أخوكم جعفر ، فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى مقامه بالجنة يطير بجناحين، فسميّ جعفر الطيار ، وسوف يبنى بمطار دمشق مسجد ، ويسمونه اسم جعفر الطيار ، لأن له علاقة بالطيران ، قال راوي الحديث : وسكت النبي صلى الله عليه ، فلما سكت غار الصحابة على أخيهم الثالث ، سيدنا عبد الله بن رواحه ، فقالوا ما فعل عبد الله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت بقدر ثلاثين ثانية تقريبًا ، بقدر ما تردد عبد الله بن رواحة حين أخذ الراية ، قال : ثم أخذ الراية أخوكم عبد الله ، فقاتل بها حتى قتل ، قال: وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه ، لأنه تردد ثلاثين ثانية ، ولذا هبطت درجته عن صاحبيه قليلا .
فإذا كان الجواهري متمرِّسًا ، وعرضتَ عليه قطرميزًا وطنيًّا ثمنه عشر ليرات ، وكأس كريستال ، ثمنها مئتا ليرة ، وقطعة ألماس ثمنها ثلاثمائة ألف ليرة ، فإنْ تردد ثانية واحدة فيكون أحمق ، ولا يستحق اسم جواهري ، فالتردد ذنب أحيانًا .
إذاً فالعلاقة بين العقل والقلب ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ..
فإذا كان العقل له مؤشر "عقرب" وإذا كان الحب له مؤشر أيضًا فلا بد أنْ تعرف أن هذين المؤشرين يتحركان معاً .
وقد تجد بجهاز الساعة عدادين ؛ واحدًا لدورة المحرك ، وواحدًا للسرعة ، و كذلك مؤشر العقل و مؤشر القلب " أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً " ، و بعد فلنَعُد إلى الآية : مون الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله.
هنا الحمق واضح جليّ ، فإنسان فانٍ ، إنسان ميت ، إنسان محدود ، إنسان ضعيف إنسان لئيم ، تمنحه حبك ، إنها متاهة تؤدِّي إلى الضياع .
إنك لن تجد إنسانًا على وجه الأرض أخلص للنبي كسيدنا الصديق ، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي *
إذاً هذا القلب لا يليق به إلا أن يحب الله ، فأنت تحتقر ذاتك إذا أحببت غير الله .
قال تعالى : ومن يرغب عن ملةٍ إبراهيم إلا من سفه نفسه.
إنّ أشد أنواع احتقار الذات ، أن تكون لغير الله ، محسوب على غير الله ، أو أن تُجَيّر - بالتعبير المصرفي- لغير الله ، وأن تحب غير الله ، دققوا في الآية : "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله" إنك تحب زوجتك أكثر من الله ، فهناك علامة ، أعوذ بالله !! لا أحب إلا الله ، حينما تطيعها في معصية الله ، فاعلم أنك تحبها أكثر من الله ، وهناك علامة كذلك أنك تحب أولادك أكثر من الله ، حينما تطيعهم أكثر من الله ، وهناك علامة أنك تحب هذا البيت أكثر من الله والجنة ، فإذا جلست به مغتصباً ، ولم تعبأ بتهديد الله لك ، وتقول : القانون معي ، خير إن شاء الله ، فليشفع لك القانون عند الله تعالى .
ليس في القبر مِن قانون ، فعلامة محبة غير الله ، أن تؤثره على الله والأمر لا يحتاج إلى زعبرة ، ولا أنْ تتلبس له ، ومادمت تطيع إنسانًا وتعصي الخالق ، فهذا الإنسان إما أنك تخافه ، وإما أنك تحبه أكثر من الله ، وهذا هو الشرك بعينه ، ويقول صلى الله عليه وسلم :
أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ـ انتهت تلك الحال إلى غير رجعة ، فلن نتجه إلى صنم نعبده ـ ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله .." وهذا هو الشرك الخفي ، فهؤلاء : ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله " فلم يقل سبحانه و تعالى : ومن المؤمنين ، بل قال : ومن الناس .
والذين آمنوا أشد حباً لله
من علامة إيمانك ، أنك تحب الله عز وجل أكثر من كل شيء ، فقد قال عمر : يا رسول الله إني أحبك أكثر من أهلي وولدي ومالي والناس أجمعين إلا من نفسي ، قال له: يا عمر لمَّا يكمل إيمانك ، قال ولِمَ ؟ حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك أيضا ، وبعد حين ، قال له : الآن يا رسول الله أحبك أكثر من نفسي وولدي ومالي والناس أجمعين ، قال له ، الآن يا عمر، الآن كمل إيمانك دققوا في قول النبي الكريم صلىالله عليه وسلم: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً
والذين أمنوا أشد حباً لله .. لكن متى يصعق الإنسان يوم القيامة قال : ولو يرى الذين أمنوا ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً "
وبعد ، فالإنسان من يحب ؟ بالمناسبة ، فإنّ قوانين النفس تقول : الإنسان يحب الشيءَ الجميل ، ويحب الجمال ، ويحب الكمال ، ويحب النوال (العطاء).
هناك قصة وقعت من خمسين سنة ، فخطيب جامع الورد بحي ساروجه رآى النبي صلى الله عليه وسلم قال له : قل لجارك فلان إنه رفيقي بالجنة ، ليس معقولاً ، أنا الخطيب وأنا الداعية ، والمنام ليس لي ، بل للسمان جار المسجد ، وفي الصباح طرق بابه ، وقال له : لك عندي بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا أقولها لك إلا إذا قلت لي ما صنعت مع ربك ، فلما استحلفه قال له : والله تزوجت امرأة وبعد خمسة أشهر من عرسي كانت في الشهر التاسع ، إذاً هذا الولد الذي في بطنها ليس مني .
قال له : بإمكاني أن أسحقها ، بإمكاني أن أطلقها ، بإمكاني أن أفضحها ، لكن وجد أنها زلت قدمها مرة واحدة ، وأرادت أن تتوب على يديه ، فأتى بقابلة ، وأولدتها ليلاً ، وحمل الوليد إلى المسجد بعد أن كبر الإمام تكبيرة الإحرام ، حتى لا يراه أحد ، ووضع الغلام عند طرف الباب ، فلما انتهت هذه الصلاة ، بكى هذا الوليد ، فتحلق المصلون حوله وجاء معهم كواحد منهم ، دون أن يشعرهم أنه يعلم ، قفال : خير ماذا هنالك ؟ تعالَ انظر ، ولدٌ وُلد لتوه ، قال : أعطوني إياه أنا أتكفله فأخذه و رده إلى أمه وأمام الجيران سترها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قل لجارك فلان : إنه رفيقي بالجنة .
نحن الآن جميعاً أُعْجِبْنا بهذا الموقف ، لأنّ الإنسان بحب الكمال ، ويحب المروءة ، والشهامة ، والأمانة ، والإخلاص ، والجمال ، والإنسان يحب النوال .
لو أنَّ واحدًا قصير القامة ، أسمر اللون ، ناتئ الوجنتين ، غائر العينين ضيق الجبهة ، أعرج الرجل ، أعطاك مئة مليون ، فأينما سار تتبعه ببصرك ، رغم أنه ليس حلو المنظر ، فالإنسان يحب النوال والعطاء ، والكمال ، والجمال ، وهذه كلها في الله ، قال تعالى : "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً " .
إنّ قوة العطاء من الله ، وقوة الجمال من الله ، وقوة الكمال من الله ، فهو الكامل ، وهو الجميل ، وهو المعطي ، والإنسان تَركه وأحبَّ غيره ، وهذا من غبائه ، وحمقه وضعف إيمانه ، فهذه الآية دقيقة :" ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حباً لله" ، في الدنيا .
أما الكفار فإنهم يصعقون يوم القيامة ، حينما يرون أن كل شيء تمتعوا به كان من الله ، وأحبوا غيره ، وكل شيء أسعدهم كان من الله وأحبوا غيره " إني والإنس والجن في نبأٍ عظيم ، أخلق ويحمد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة بعشر أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بالعبد من الأم بولدها " .
قل لي ما الذي تحبه أقل لك من أنت ، فكلما نما عقلك أحببت ربك ، وكلما ضعف العقل أحببت سواه ، وكلُّ شيءٍ سواه فانٍ ، " كل من عليها فان "
فإنْ ربطتَ نفسك مع إنسان يموت ، ربطتَ نفسك مع زوجة تموت ، وتكون لئيمة أحياناً ، فأين عقلُك ؟ .
أما إذا أحببت الله فأنت العاقل ، وأنت الذكي ، وأنت الموفق ، وأنت المفلح ، وأنت الفائز، وأنت الذي عرفت سر وجودك ، وأنت الذي عرفت قيمة وجودك ، فلا تعرف قيمة وجودك إلا إذا عرفت الله عز وجل ، وأنت لله أوَّلاً وأخيرًا .
إنّ الماء للتراب ليسقيه ، والتراب للنبات لينبته ، والنبات للحيوان ليأكله والحيوان للإنسان ليتغذى به ، وأنت لله، فإذا أحببت غير الله فقد وقعت في شر أعمالك .
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ في سورة البقرة آية رقمها الخامسة والستون بعد المئة ، يقول الله سبحانه وتعالى فيها:
الإنسان قبل أن نشرح الآية جسدٌ يأكل ، وعقلٌ يدرك ، وقلبٌ يحب ، هذه حقيقة الإنسان ، وهذه جوانبه الثلاثة ، جسدٌ يأكل ، وعقلٌ يدرك ، وقلبٌ يحب.
دعونا من الجسد،. فنحن وبقية المخلوقات سواء ، أجهزة وأعضاء وأنسجة ، ويحتاج إلى طعام وإلى شراب وإلى راحة ، له قوانينه وله مبادئه ، والأطباء موكلون بمعرفة أمراضه ودوائه .
دعونا من الجسد ، ولنقف عند القلب الذي يحب ، والعقل الذي يدرك ، هل هناك من علاقة بينهما ؟ نعم ، وهذه العلاقة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، دققوا في هذا الحديث :" أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً " .
فلو عرضت على إنسان قطعة بللور عادية وقطعة كريستال وقطعة ألماس ؛ فالماس ثمنها ثلاثمائة ألف ، والكريستال ثمنها عشرون ليرة ، بينما البللور ثمنها ليرتان ، ثم قلت له : اختر ، فإن اختار البللور فهو لا عقل له ، وإذا اختار الكريستال فلديه بقية عقل ، ولعله ما انتبه لقطعة الماس ، أما الذي يعمل في بيع المجوهرات فإنه يأخذ الماس رأساً .
فكلما نمت معرفتك ونما إدراكك ، ارتقى اختيارك ، وكلما نما عقلك ارتقى اختيارك ، فالذي اختار الدنيا محدود ، أحمق ، غبي ، لأنها قصيرة ، ولأنها تنقطع عند الموت ، ومهما علوت في الدنيا فكل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، ومهما كنت غنياً فإن الكفن لا جيب فيه ، ولا دفتر شيكات ، ليس هناك قبر خمس نجوم ، بل كل القبور نجمه واحدة وكل نجوم الظهر .
فمهما كنت في أعلى مكانة في المجتمع ، أو بأعلى مكانةٍ في المال ، أو كنت حائزًا على أعلى الدرجات العلمية ، بورد مثلا ، فمصيرك إلى القبر .
فالذي يختار الدنيا ، فيه ضعف في عقله ، وهو غبي ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
فالبلور والكريستال والماس ، كلما كانت خبراتك كانت أعمق اخترتَ الماس ، فإنْ دنت فالكريستال جميل ، وكأس الكريستال ثمنها مئتا ليرة جميلة ، أما قطعة البللور، فقد تكون قطرميز بللور ، لونه أزرق وطني ، فغاية ثمنها خمس ليرات أو عشر ليرات ،قد يقال لك : حجمه كبير ، وهو يستحق ثمنًا عشرَ ليرات ، وكأس كريستال ثمنها مئتا ليرة ، وقطعة ألماس ثمنها ثلاثمائة ألف ، فأنت مخيَر لقلة خبرتك ، لكن الجواهري لا يتردد ثانية في التقاط قطعة الماس .
إخوانا الكرام؛ صحابي جليل اسمه عبد الله بن رواحه ، تُروى عنه هذه القصة ، فإن صحت فلها مغزى كبير ، وإن لم تصح فلنا منها عبرة فقط ، عيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم قائداً ثالثاً في معركة مؤتة ، القائد الأول سيدنا زيد ، ثم سيدنا جعفر ، ثم سيدنا ابن رواحه ، والمعركة مخيفة وطاحنة ، وأعداد جيش العدو كبيرة ، فأول قائد رفع الراية وقاتل لم يلبث أنْ قتل ، ثم تسلم القيادة سيدنا جعفر ، فأمسك بالراية فقاتل فلم يلبث أنْ قتل هو الآخر ، ثم تسلم القيادة عبد الله ، وكان شاعرًا فقال بعد ما تردد قليلا:
يا نفس ، إلاّ تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
إن تفعلي فعلها هديـت وإن توليت فـقـد شقيـت
إن تفعلي فعلها هديـت وإن توليت فـقـد شقيـت
وأمسك بالراية وقاتل بها حتى قتل .
وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق سيدنا جبريل نبأ هذه المعركة فقال بين أصحابه : أخذ الراية أخوكم زيد ، فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى مقامه بالجنة ثم أخذ الراية أخوكم جعفر ، فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى مقامه بالجنة يطير بجناحين، فسميّ جعفر الطيار ، وسوف يبنى بمطار دمشق مسجد ، ويسمونه اسم جعفر الطيار ، لأن له علاقة بالطيران ، قال راوي الحديث : وسكت النبي صلى الله عليه ، فلما سكت غار الصحابة على أخيهم الثالث ، سيدنا عبد الله بن رواحه ، فقالوا ما فعل عبد الله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت بقدر ثلاثين ثانية تقريبًا ، بقدر ما تردد عبد الله بن رواحة حين أخذ الراية ، قال : ثم أخذ الراية أخوكم عبد الله ، فقاتل بها حتى قتل ، قال: وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه ، لأنه تردد ثلاثين ثانية ، ولذا هبطت درجته عن صاحبيه قليلا .
فإذا كان الجواهري متمرِّسًا ، وعرضتَ عليه قطرميزًا وطنيًّا ثمنه عشر ليرات ، وكأس كريستال ، ثمنها مئتا ليرة ، وقطعة ألماس ثمنها ثلاثمائة ألف ليرة ، فإنْ تردد ثانية واحدة فيكون أحمق ، ولا يستحق اسم جواهري ، فالتردد ذنب أحيانًا .
إذاً فالعلاقة بين العقل والقلب ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ..
فإذا كان العقل له مؤشر "عقرب" وإذا كان الحب له مؤشر أيضًا فلا بد أنْ تعرف أن هذين المؤشرين يتحركان معاً .
وقد تجد بجهاز الساعة عدادين ؛ واحدًا لدورة المحرك ، وواحدًا للسرعة ، و كذلك مؤشر العقل و مؤشر القلب " أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً " ، و بعد فلنَعُد إلى الآية : مون الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله.
هنا الحمق واضح جليّ ، فإنسان فانٍ ، إنسان ميت ، إنسان محدود ، إنسان ضعيف إنسان لئيم ، تمنحه حبك ، إنها متاهة تؤدِّي إلى الضياع .
إنك لن تجد إنسانًا على وجه الأرض أخلص للنبي كسيدنا الصديق ، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي *
(رواه البخاري)
إذاً هذا القلب لا يليق به إلا أن يحب الله ، فأنت تحتقر ذاتك إذا أحببت غير الله .
قال تعالى : ومن يرغب عن ملةٍ إبراهيم إلا من سفه نفسه.
(سورة البقرة : الآية 130 ) .
إنّ أشد أنواع احتقار الذات ، أن تكون لغير الله ، محسوب على غير الله ، أو أن تُجَيّر - بالتعبير المصرفي- لغير الله ، وأن تحب غير الله ، دققوا في الآية : "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله" إنك تحب زوجتك أكثر من الله ، فهناك علامة ، أعوذ بالله !! لا أحب إلا الله ، حينما تطيعها في معصية الله ، فاعلم أنك تحبها أكثر من الله ، وهناك علامة كذلك أنك تحب أولادك أكثر من الله ، حينما تطيعهم أكثر من الله ، وهناك علامة أنك تحب هذا البيت أكثر من الله والجنة ، فإذا جلست به مغتصباً ، ولم تعبأ بتهديد الله لك ، وتقول : القانون معي ، خير إن شاء الله ، فليشفع لك القانون عند الله تعالى .
ليس في القبر مِن قانون ، فعلامة محبة غير الله ، أن تؤثره على الله والأمر لا يحتاج إلى زعبرة ، ولا أنْ تتلبس له ، ومادمت تطيع إنسانًا وتعصي الخالق ، فهذا الإنسان إما أنك تخافه ، وإما أنك تحبه أكثر من الله ، وهذا هو الشرك بعينه ، ويقول صلى الله عليه وسلم :
أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ـ انتهت تلك الحال إلى غير رجعة ، فلن نتجه إلى صنم نعبده ـ ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله .." وهذا هو الشرك الخفي ، فهؤلاء : ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله " فلم يقل سبحانه و تعالى : ومن المؤمنين ، بل قال : ومن الناس .
والذين آمنوا أشد حباً لله
من علامة إيمانك ، أنك تحب الله عز وجل أكثر من كل شيء ، فقد قال عمر : يا رسول الله إني أحبك أكثر من أهلي وولدي ومالي والناس أجمعين إلا من نفسي ، قال له: يا عمر لمَّا يكمل إيمانك ، قال ولِمَ ؟ حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك أيضا ، وبعد حين ، قال له : الآن يا رسول الله أحبك أكثر من نفسي وولدي ومالي والناس أجمعين ، قال له ، الآن يا عمر، الآن كمل إيمانك دققوا في قول النبي الكريم صلىالله عليه وسلم: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً
والذين أمنوا أشد حباً لله .. لكن متى يصعق الإنسان يوم القيامة قال : ولو يرى الذين أمنوا ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً "
وبعد ، فالإنسان من يحب ؟ بالمناسبة ، فإنّ قوانين النفس تقول : الإنسان يحب الشيءَ الجميل ، ويحب الجمال ، ويحب الكمال ، ويحب النوال (العطاء).
هناك قصة وقعت من خمسين سنة ، فخطيب جامع الورد بحي ساروجه رآى النبي صلى الله عليه وسلم قال له : قل لجارك فلان إنه رفيقي بالجنة ، ليس معقولاً ، أنا الخطيب وأنا الداعية ، والمنام ليس لي ، بل للسمان جار المسجد ، وفي الصباح طرق بابه ، وقال له : لك عندي بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا أقولها لك إلا إذا قلت لي ما صنعت مع ربك ، فلما استحلفه قال له : والله تزوجت امرأة وبعد خمسة أشهر من عرسي كانت في الشهر التاسع ، إذاً هذا الولد الذي في بطنها ليس مني .
قال له : بإمكاني أن أسحقها ، بإمكاني أن أطلقها ، بإمكاني أن أفضحها ، لكن وجد أنها زلت قدمها مرة واحدة ، وأرادت أن تتوب على يديه ، فأتى بقابلة ، وأولدتها ليلاً ، وحمل الوليد إلى المسجد بعد أن كبر الإمام تكبيرة الإحرام ، حتى لا يراه أحد ، ووضع الغلام عند طرف الباب ، فلما انتهت هذه الصلاة ، بكى هذا الوليد ، فتحلق المصلون حوله وجاء معهم كواحد منهم ، دون أن يشعرهم أنه يعلم ، قفال : خير ماذا هنالك ؟ تعالَ انظر ، ولدٌ وُلد لتوه ، قال : أعطوني إياه أنا أتكفله فأخذه و رده إلى أمه وأمام الجيران سترها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قل لجارك فلان : إنه رفيقي بالجنة .
نحن الآن جميعاً أُعْجِبْنا بهذا الموقف ، لأنّ الإنسان بحب الكمال ، ويحب المروءة ، والشهامة ، والأمانة ، والإخلاص ، والجمال ، والإنسان يحب النوال .
لو أنَّ واحدًا قصير القامة ، أسمر اللون ، ناتئ الوجنتين ، غائر العينين ضيق الجبهة ، أعرج الرجل ، أعطاك مئة مليون ، فأينما سار تتبعه ببصرك ، رغم أنه ليس حلو المنظر ، فالإنسان يحب النوال والعطاء ، والكمال ، والجمال ، وهذه كلها في الله ، قال تعالى : "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً " .
إنّ قوة العطاء من الله ، وقوة الجمال من الله ، وقوة الكمال من الله ، فهو الكامل ، وهو الجميل ، وهو المعطي ، والإنسان تَركه وأحبَّ غيره ، وهذا من غبائه ، وحمقه وضعف إيمانه ، فهذه الآية دقيقة :" ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حباً لله" ، في الدنيا .
أما الكفار فإنهم يصعقون يوم القيامة ، حينما يرون أن كل شيء تمتعوا به كان من الله ، وأحبوا غيره ، وكل شيء أسعدهم كان من الله وأحبوا غيره " إني والإنس والجن في نبأٍ عظيم ، أخلق ويحمد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة بعشر أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بالعبد من الأم بولدها " .
قل لي ما الذي تحبه أقل لك من أنت ، فكلما نما عقلك أحببت ربك ، وكلما ضعف العقل أحببت سواه ، وكلُّ شيءٍ سواه فانٍ ، " كل من عليها فان "
(سورة الرحمن : الآية 26 )
فإنْ ربطتَ نفسك مع إنسان يموت ، ربطتَ نفسك مع زوجة تموت ، وتكون لئيمة أحياناً ، فأين عقلُك ؟ .
أما إذا أحببت الله فأنت العاقل ، وأنت الذكي ، وأنت الموفق ، وأنت المفلح ، وأنت الفائز، وأنت الذي عرفت سر وجودك ، وأنت الذي عرفت قيمة وجودك ، فلا تعرف قيمة وجودك إلا إذا عرفت الله عز وجل ، وأنت لله أوَّلاً وأخيرًا .
إنّ الماء للتراب ليسقيه ، والتراب للنبات لينبته ، والنبات للحيوان ليأكله والحيوان للإنسان ليتغذى به ، وأنت لله، فإذا أحببت غير الله فقد وقعت في شر أعمالك .
والحمد لله رب العالمين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى